قال الشيخ محمَّد سعيد رمضان البوطي حفظه الله في كتابه "هذا والدي" ص117 :
وخلاصة ما يقوله في بيان معنى وحدة الشهود:أنها حال تلاحق شعور الإنسان وليس قراراً يصدر من عقله . فهو على الرغم من يقينه العقلي الجازم بوجود هذه المكونات وحدوثها ومخلوقيتها ، لا يرى فيها أو منها إلا مرايا تتجلَّى فيه صفات الخالق المنبثقة عن أسمائه الحسنى . فهو لا يرى في كثرة المكونات التي يوقن بها إلا وحدة الخالق التي تهيمن على مشاعره .
وقد كان رحمه الله يؤكد أن الانصياع التام للآيات التي يأمر الله فيها عباده بالتفكر في خلق السماوات والأرض وما بينهما ، لا يتم ، إلا بعد أن يداوم الإنسان على ذكر الله ، حتى يصقل ذكره لله صفحة المكونات التي أمامه ولا يزال يصقلها . وعندئذ تتحول من كونها حجاباً كثيفاً ينسي الإنسان وجود الله وسلطانه وفاعليته ، إلى مرآة وضاءة صقيلة لا تتجلَّى فيها إلا وحدانية الخالق عز وجل . وهذا معنى قولهم : لا يكمل إيمان المسلم حتى يرى الوحدة في الكثرة . أي حتى يرى الوحدة الربانية في الكثرة الكونية . وكلما ازداد ذكراً ازدادت الكثرة الكونية أمامه ذبولاً وضآلة ، إلى أن تنمحق بالكلية عن شهوده فلا يرى أمامه في مظهر صنع الله إلا عظمته وصفاته ، مع يقينه العقلي الدائم بوجود المكونات ، وتعامله التام معها .
وكم كان رحمه الله ، يستشهد في التعبير عن هذه الحال بقول أحد العلماء الربَّانيين : ما رأيت شيئاً ! إلا ورأيت الله قبله ومعه وبعده .